كلنا
يسعى ل ب رضى الله ونيل الجنة ، لا أظن أن عاقلا يختلف معي في ذلك ، إلا
أن طرقنا تختلف ، فمنا من يكثر من قيام الليل ، ومنا من يكثر من الصدقات ،
ومنا من ومن ومن ومن ، فلكل شخص أعماله التي تميزه عن غيره.
ولكن دعونا نتأمل هذه القصة:
عن أنس بن مالك ري الله عنه قال : كنا في المسجد مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم [size=16][size=25]فقال النبي
عليه الصلاة والسلام: " يدخل عليكم من هذا الباب رجل من أهل الجنة "، قال:
فدخل رجل من الأنصار، تنطف لحيته من وضوئه، قد علق نعليه بيده، فسلم على
النبي وجلس، قال: ولما كان اليوم الثاني قال: " يدخل من هذا الباب عليكم
رجل من أهل الجنة "، قال: فدخل ذلك الرجل الذي دخل بالأمس، تنطف لحيته من
وضوئه، مُعلقاً نعليه في يده فجلس، ثم في اليوم الثالث،
تكرر نفس الموقف.[/size]
تمنى الصحابة لو كانوا مثل هذا الرجل ، وتشوقوا لمعرفة
عمله الذي جعله من أهل الجنة ، وأظن أننا نود معرفة ذلك أيضا.
حسنا ، لنكمل القصة إذاً :
قال عبد الله بن عمرو بن العاص: فقلت في نفسي: والله
لأختبرن عمل ذلك الإنسان، فعسى أن أوفّق لعمل مثل عمله، فأنال هذا الفضل
العظيم أن النبي أخبرنا أنه من أهل الجنة في أيامٍ ثلاثة، فأتى إليه عبد
الله بن عمرو فقال: يا عم، إني لاحيت أبي – أي خاصمت أبي – فأردت أن أبيت
ثلاث ليال عندك، آليت على نفسي أن لا أبيت عنده، فإن أذنت لي أن أبيت عندك
تلك الليالي فافعل، قال: لا بأس، قال عبد الله: فبت عنده ثلاث ليال، والله
ما رأيت كثير صلاةٍ ولا قراءة، ولكنه إذا انقلب على فراشه من جنب إلى جنب
ذكر الله، فإذا أذن الصبح قام فصلى، فلما مضت الأيام الثلاثة قلت: يا عم،
والله ما بيني وبين أبي من خصومة، ولكن رسول الله ذكرك في أيامٍ ثلاثة أنك
من أهل الجنة، فما رأيت مزيد عمل!! قال: هو يا ابن أخي ما رأيت، قال: فلما
انصرفت دعاني فقال: غير أني أبيت ليس في قلبي غش على مسلم ولا أحسد أحداً
من المسلمين على خير ساقه الله إليه، قال له عبد الله بن عمرو: تلك التي
بلغت بك ما بلغت، وتلك التي نعجز عنها..
لقد راقب عبدالله بن عمرو رضي الله عنه فعل الجوارح (
الأعمال الظاهرية ) ، إلا أنه لم يطلع على القلوب ، فعلمها عند مقلب القلوب
، وقد تكون أعمال القلوب أحياناً أعظم من أعمال الجوارح.
قرر الصحابي أن يروي القصة كاملة للرجل، ليعرف منه العمل
العظيم الذي يقوم به ، فروى الصحابي للرجل القصة ، وسأله عن هذا العمل ،
فأجاب الرجل ( بما معناه ): أنني آوي إلى فراشي وليس في قلبي ذرة غل على
أحد من المسلمين.
ياله من عمل صعب ! أيعقل أن لا يحمل الرجل على أي مسلم من
المسلمين ذرة من غضب أو غل ! إنه فعلا عمل عظيم !
أسأل الله أن ييسر هذا العمل علينا
اللهم لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا
اللهم آمين
كان الإمام أحمد يدعو في سجوده : " اللهم من كان من هذه
الأمة على غير الحق وهو يظن أنه على الحق ، فرده إلى الحق ليكون من أهل
الحق ".
وقال الامام الشافعي رحمه الله :
لما عفوت ولم أحقد على أحد ** أرحت نفسي من هم العداوات
إني أحيي عدوي عند رؤيته ** لأدفع الــــــــــــشر عني
بالتحيات
وأظهر البشر للإنسان أبغضه ** كما إن قد حــشى قلبي مودات
ختاما ما أجمل قول الشاعر
إذا شئت ان تحيا سليماً مـــن الأذى ** و حظًك موفورٌ و
عرضك صَيــــــّــــــنُ
لسانك لا تذكر به عورة أمــــــــــــــرئٍ ** فكُلك عورات
و للناسِ ألسُـــــــــــــنُ
وعينك إن أبدت إليك مســـــــــــــاوئاً ** فصُنها و قل
يا عينُ للناسِ أعيُـــــــنُ
وعاشر بمعروفٍ و سـامح من إعتدى ** و فارق و لكن بالتي هي
أحســـــن
لكم تحياتي ودعواتي